responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 349
فَكَأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ هَذَا وَمِنْ ذَاكَ، وَمِنْ ذَلِكَ، وَالْفَخَّارُ الطِّينُ الْمَطْبُوخُ بِالنَّارِ وَهُوَ الْخَزَفُ مُسْتَعْمَلٌ عَلَى أَصْلِ الِاشْتِقَاقِ، وَهُوَ مُبَالَغَةُ الْفَاخِرِ كَالْعَلَّامِ فِي الْعَالِمِ، وَذَلِكَ أَنَّ التُّرَابَ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ التَّفَتُّتُ إِذَا صَارَ بِحَيْثُ يُجْعَلُ ظَرْفَ الْمَاءِ وَالْمَائِعَاتِ وَلَا يَتَفَتَّتُ وَلَا يَنْقَعُ فكأنه يفخر على أفراد جنسه. / ثم قال تعالى:

[سورة الرحمن (55) : الآيات 15 الى 16]
وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (15) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (16)
وَفِي الْجَانِّ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: هُوَ أَبُو الْجِنِّ كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ الْمَذْكُورَ هُنَا هُوَ أَبُو الْإِنْسِ وَهُوَ آدَمُ ثَانِيهِمَا: هُوَ الْجِنُّ بِنَفْسِهِ فَالْجَانُّ وَالْجِنُّ وَصْفَانِ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ، كَمَا يُقَالُ: مِلْحٌ وَمَالِحٌ، أَوْ نَقُولُ الْجِنُّ اسْمُ الْجِنْسِ كَالْمِلْحِ وَالْجَانُّ مِثْلُ الصِّفَةِ كَالْمَالِحِ.
وَفِيهِ بَحْثٌ: وَهُوَ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: جُنَّ الرَّجُلُ وَلَا يُعْلَمُ لَهُ فَاعِلٌ يبني الفعل معه على المذكور، و. أصل ذَلِكَ جَنَّهُ الْجَانُّ فَهُوَ مَجْنُونٌ، فَلَا يُذْكَرُ الْفَاعِلُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ، وَيُقْتَصَرُ عَلَى قَوْلِهِمْ: جُنَّ فَهُوَ مَجْنُونٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْقَائِلَ الْأَوَّلَ لَا يَقُولُ: الْجَانُّ اسْمُ عَلَمٍ لِأَنَّ الْجَانَّ لِلْجِنِّ كَآدَمَ لَنَا، وَإِنَّمَا يَقُولُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْجَانِّ أَبُوهُمْ، كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْإِنْسَانِ أَبُونَا آدَمُ، فَالْأَوَّلُ مِنَّا خُلِقَ مِنْ صَلْصَالٍ، وَمَنْ بَعْدَهُ خُلِقَ مِنْ صُلْبِهِ، كَذَلِكَ الْجِنُّ الْأَوَّلُ خُلِقَ مِنْ نَارٍ، وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ خُلِقَ مِنْ مَارِجٍ، وَالْمَارِجُ الْمُخْتَلِطُ ثُمَّ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَارِجَ هُوَ النَّارُ الْمَشُوبَةُ بِدُخَانٍ وَالثَّانِي: النَّارُ الصَّافِيَةُ وَالثَّانِي أَصَحُّ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى أَمَّا اللَّفْظُ: فَلِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ أَيْ نَارٍ مَارِجَةٍ، وَهَذَا كَقَوْلِ الْقَائِلِ: هُوَ مَصُوغٌ مِنْ ذَهَبٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ بَيَانُ تَنَاسُبِ الْأَخْلَاطِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى الْكُلُّ مِنْ ذَهَبٍ غَيْرَ أَنَّهُ يَكُونُ أَنْوَاعًا مُخْتَلِفَةً مُخْتَلِطَةً بِخِلَافِ مَا إِذَا قُلْتَ: هَذَا قَمْحٌ مُخْتَلِطٌ فَلَكَ أَنْ تَقُولَ: مُخْتَلِطٌ بِمَاذَا فَيَقُولُ: مِنْ كَذَا وَكَذَا فَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: مِنْ قَمْحٍ وَكَانَ مِنْهُ وَمِنْ وغيره أيضا لكان اقتصاره عليه مختلط بِمَا طُلِبَ مِنَ الْبَيَانِ وَأَمَّا الْمَعْنَى: فَلَأَنَّهُ تَعَالَى كَمَا قَالَ: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ [الرحمن: 14] أَيْ مِنْ طِينٍ حَرٍّ كَذَلِكَ بَيَّنَ أَنَّ خَلْقَ الْجَانِّ مِنْ نَارٍ خَالِصَةٍ فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ: مارِجٍ بِمَعْنَى مُخْتَلَطٍ مَعَ أَنَّهُ خَالِصٌ؟ نَقُولُ: النَّارُ إِذَا قَوِيَتِ الْتَهَبَتْ، وَدَخَلَ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ كَالشَّيْءِ الْمُمْتَزِجِ امْتِزَاجًا جَيِّدًا لَا تُمَيِّزُ فِيهِ بَيْنَ الْأَجْزَاءِ الْمُخْتَلِطَةِ وَكَأَنَّهُ مِنْ حَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا فِي الطِّينِ الْمُخْتَمِرِ، وَذَلِكَ يَظْهَرُ فِي التَّنُّورِ الْمَسْجُورِ، إِنْ قَرُبَ مِنْهُ الْحَطَبُ تَحْرِقُهُ فَكَذَلِكَ مَارِجٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ لَا يُعْقَلُ بَيْنَ أَجْزَائِهَا دُخَانٌ وَأَجْزَاءٌ أَرْضِيَّةٌ، وَسَنُبَيِّنُ هَذَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ [الرحمن: 19] فَإِنْ قِيلَ: الْمَقْصُودُ تَعْدِيدُ النِّعَمِ عَلَى الْإِنْسَانِ، فَمَا وَجْهُ بَيَانِ خَلْقِ الْجَانِّ؟ نَقُولُ: الْجَوَابُ عندي مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: مَا بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَهُ: رَبِّكُما خِطَابٌ مَعَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُعَدِّدُ عَلَيْهِمَا النِّعَمَ بَلْ عَلَى الْإِنْسَانِ وَحْدَهُ ثَانِيهَا: أَنَّهُ بَيَانُ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْإِنْسَانِ، حَيْثُ بَيَّنَ أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ أَصْلٍ كَثِيفٍ كَدِرٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ أَصْلٍ لَطِيفٍ، وَجُعِلَ الْإِنْسَانُ أَفْضَلَ مِنَ الْجَانِّ فَإِنَّهُ إِذَا نَظَرَ إِلَى أَصْلِهِ، عَلِمَ أَنَّهُ مَا نَالَ الشَّرَفَ إِلَّا بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَيْفَ يُكَذِّبُ بِآلَاءِ اللَّهِ ثَالِثُهَا: أَنَّ الْآيَةَ مَذْكُورَةٌ لِبَيَانِ الْقُدْرَةِ لَا لِبَيَانِ النِّعْمَةِ، وَكَأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ النِّعَمَ الثَّمَانِيَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ، فَكَأَنَّهُ ذَكَرَ الثَّمَانِيَةَ لِبَيَانِ خُرُوجِهَا عَنِ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ الَّذِي هُوَ سَبْعَةٌ وَدُخُولُهَا فِي/ الزِّيَادَةِ الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا الثَّمَانِيَةُ كَمَا بَيَّنَّا وَقُلْنَا إِنَّ الْعَرَبَ عِنْدَ الثَّامِنِ تَذْكُرُ الْوَاوَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الثَّامِنَ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ، فَبَعْدَ تَمَامِ السَّبْعَةِ الْأُوَلِ شَرَعَ فِي بَيَانِ قُدْرَتِهِ الْكَامِلَةِ، وَقَالَ: هُوَ الَّذِي خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ تُرَابٍ والجان من نار: (فبأي آلاء) الْكَثِيرَةِ الْمَذْكُورَةِ الَّتِي سَبَقَتْ مِنَ السَّبْعَةِ،

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 349
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست